الجمعة ٧ فبراير ٢٠٢٥ - ١٠:٣٦
انعقاد ندوة "تحولات المنطقة وآفاق المستقبل" / أحمديان: العدو يسعى إلى اختزال المقاومة في الحرب

وکالة انباء الحوزه ؛ أكد علي أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، أن الاستراتيجية الأساسية للعدو ضد المقاومة هي اختزالها في الحرب، مشيرًا إلى أن جهود العدو تنصبّ على حرف مسار المقاومة نحو الحرب و إحداث نصر ظاهري يشغل الأذهان عن جوهر القضية.

بحسب تقرير مراسل وكالة الحوزة للأنباء؛ علي أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في مستهل كلمته خلال اجتماعه بأساتذة الحوزة العلمية في قم، قال: إن الشعور بالتكليف، و الأخوّة، و الروحانية، و المحبة هي العوامل التي قادت الثورة إلى النصر، محذرًا من تحريف المفاهيم و قلب المصطلحات من قبل العدو، و مؤكدًا أنه لا ينبغي أن نقع في فخ الحرب النفسية التي يشنها العدو أو نساهم في خلق الانقسامات الثنائية.

و أضاف: اليوم، تم تحريف مفهوم المقاومة ليصبح مرادفًا للحرب و الانتصار، حيث بات الجميع يتوقع انتصارات متتالية و سريعة دون أي عقبات، في حين أن ما نحن مكلفون به هو الصمود و المقاومة، و ليس تحقيق الانتصار، فالانتصار هبة إلهية قد تأتي لصالحنا و قد لا تأتي، لكنها في كلتا الحالتين تصب في مصلحتنا.

المقاومة: مفهوم متجذّر عبر التاريخ

و أشار أحمديان إلى أن المقاومة ظاهرة تاريخية متأصلة منذ بدء الخليقة، مستدلًا بقوله تعالى:

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلطَّاغُوتَ

موضحًا أن الأمر بعبادة الله يقترن بالتكليف بمحاربة الطاغوت.

كما أوضح الفرق الجوهري بين المقاومة و الحرب، قائلًا: المقاومة نابعة من مبدأ "رَبُّنَا ٱللَّهُ" و هي حق إلهي، في حين أن الحرب تختلف في جوهرها، فالمقاومة تعتمد على الصبر في الطاعة و الصبر في البراءة من الطغاة.

الإمام الخميني (ره) و المقاومة

و تابع أحمديان: الآن نفهم لماذا كان الإمام الخميني (ره) يؤكد على أن الحج بدون البراءة من المشركين ليس حجًا، لأن البراءة و الصمود ضد الطاغوت مكلفان و ثمنهما باهظ، مشيرًا إلى أن النبي إبراهيم (عليه السلام) لو اكتفى بالعبادة فقط لما تعرض للأذى، لكن مشكلته مع الطاغوت بدأت عندما واجه الأصنام و بدأ بتحطيمها، أي عندما جسّد مفهوم "اجتنبوا الطاغوت".

و أضاف أن الحرب قد تقع ضمن سياق المقاومة، لكنها ليست الأصل، و ما يجب أن يستمر هو المقاومة ذاتها، مشيرًا إلى أن الكيان الصهيوني، على مدار 450 يومًا، حاول جرّ المقاومة إلى حرب مفتوحة ليعلن أنه انتصر فيها وينهي القضية.

المقاومة استمرارها انتصار، و الحرب استمرارها هزيمة

و حذّر أحمديان من أن هناك أطرافًا داخلية تروّج لهذا الفهم الخاطئ للمقاومة، مؤكدًا أنه طالما استمرت المقاومة، فهي في عين الله و لن تُهزم. و استشهد بمثال حركة حماس، قائلًا: رأينا كيف صمدت حماس حتى آخر لحظة، بل كبّدت إسرائيل خسائر فادحة في الأيام الأخيرة.

و أضاف: لكن حتى هذا ليس المعيار الأساسي، فبقاء حماس حيّة، صامدة، راسخة، هو بذاته انتصار للمقاومة.

الفرق الأساسي بين المقاومة و الحرب

و استعرض أحمديان فرقًا جوهريًا آخر بين المقاومة و الحرب، موضحًا أن هدف الحرب هو فرض الإرادة وتحقيق النصر العسكري، بينما هدف المقاومة هو الاستمرارية والصمود، لذلك طالما أن المقاومة مستمرة، فهي منتصرة.

و أضاف أن إسرائيل لم تستطع القضاء على مقاومة حماس، لذا فالنصر الحقيقي كان للمقاومة.

و أشار إلى أن مدة الحرب عادة تكون قصيرة، تمتد لأسابيع أو شهور أو بضع سنوات، ثم تنتهي بتعب الأطراف المتحاربة، بينما المقاومة لا تعرف فترة زمنية محددة، فهي مستمرة عبر التاريخ.

و قال: لو نظرنا إلى الأمر من هذا المنظور، فلن نسأل لماذا لم يتحقق النصر بعد، مشيرًا إلى أن ما تحقق خلال العقود الأخيرة – من تطور المقاومة الفلسطينية من الحجارة إلى تصنيع الصواريخ داخل غزة – هو في حد ذاته تقدم وانتصار مستمر.

و أكد أن المقاومة استمرارها انتصار، أما الحرب فاستمرارها هزيمة، موضحًا أن أي حرب تطول تعتبر فشلًا لمن بدأها، في حين أن المقاومة كلما طال أمدها، ازدادت قوة و انتشارًا.

المقاومة تشمل جميع المجالات

و أكد أحمديان أن المقاومة ليست مقتصرة على القتال المسلح، بل تشمل الأبعاد الفردية و الاجتماعية، و الجهاد الأصغر و الأكبر، مشيرًا إلى أن الجهاد الكبير يتحقق في زمن السلم عندما يحاول العدو فرض هيمنته الفكرية و الثقافية و السياسية، و نحن نرفض ذلك.

و استشهد بمثال على ذلك قائلًا: حتى لو خضعنا لتأثير العدو في صياغة منهج دراسي، فهذا يعتبر هزيمة في الجهاد الكبير، مؤكدًا أن المقاومة تمتد إلى كل تفاصيل الحياة، و أنها هي التي تحدد مصير الأمة في معركتها ضد الطغيان و الاستكبار.

أحمديان: المقاومة تحقق الفرج و ليس فقط النصر أكد علي أكبر أحمديان أن نتيجة الحرب إما الدمار أو النصر، أما المقاومة فلا يمكن مقارنتها بالحرب إطلاقًا، مستشهدًا بقوله تعالى:

إِنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلَائِکَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ

و أشار إلى أن أول ثمرة للمقاومة هي نزول الملائكة، موضحًا أنه بلغة العصر، يعني أن أهل المقاومة يتصلون بعالم الغيب.

و أضاف أن الدفاع المقدس أشاع نفحات من عالم الغيب في إيران و المنطقة و العالم، و أن كل مقاومة قائمة اليوم تستلهم روحانيتها من ذلك الارتباط بالغيب.

المقاومة تمنح الصمود و تزيل الخوف و الحزن

و استنادًا إلى الآية الكريمة، اعتبر أحمديان أن عدم الخوف و عدم الحزن من ثمار المقاومة، مستشهدًا بصمود أهل غزة رغم كل وحشية العدو الصهيوني، حيث لم يستطع إخافتهم رغم قصفه المتواصل.

و أشار إلى أن في ذروة القصف لم يُرَ خوف أو حزن بين سكان غزة، قائلًا: "هذه بركةُ نزول الملائكة عليهم".

و ضرب مثالًا بالأمهات الفلسطينيات اللواتي فقدن عوائلهن بالكامل، لكنهن وقفن صامدات دون أدنى شكوى ضد حماس. و أضاف أن العدو حاول مرارًا تحريض الشارع في غزة ضد المقاومة، لكنه فشل تمامًا.

اليمن مثال آخر على ثبات المقاومة

و أشار إلى أن العدو استهدف منشآت النفط اليمنية ظنًا منه أنه سيكسر إرادة الشعب اليمني، لكنه فشل أيضًا، قائلًا:

لم نرَ أي أثر للخوف في نفوس المقاتلين اليمنيين، و هذه هي سنّة الله و وعده الحق، فالمقاومة لا تُكسر بسهولة

و أضاف أن المسألة لم تكن أن اليمن سيصارع إسرائيل وجهًا لوجه و ينتصر، بل الهدف هو إنهاك العدو و إذلاله، وقد تحقق ذلك بالفعل.

المقاومة تحقق الفرج وليس فقط النصر و أكد أحمديان أن غاية المقاومة و الحرب مختلفتان جذريًا، موضحًا أن الحرب بين الحق و الباطل قد تحقق النصر، و لكن معظم الحروب في التاريخ انتهت بالدمار، مستشهدًا بالحروب الأوروبية التي قتلت مئة مليون شخص خلال الحرب العالمية الثانية.

و أضاف: الحرب تؤدي إما إلى الهلاك أو النصر، أما المقاومة فغايتها الفرج، موضحًا أن نزول الملائكة و رفع الخوف و الحزن ليسا الثمرتين الوحيدتين للمقاومة، بل هناك ثمرة أعظم وهي الفرج.

المقاومة تُهيّئ البشر للفرج النهائي

و أشار أحمديان إلى أن الفرج ليس مجرد ظهور الإمام المهدي (عج)، بل يشمل أيضًا ارتقاء الإنسان نفسه و تقربه من الإمام عبر السير في طريق المقاومة، موضحًا أن هذه التهيئة لا تتم إلا عبر التحديات و الانتصارات و الهزائم التي تمر بها المقاومة.

العدو يسعى لاختزال المقاومة في الحرب و أكد أن الاستراتيجية الأساسية للعدو هي دفع المقاومة إلى حرب مباشرة بهدف تحقيق نصر إعلامي يُشغل الناس عن جوهر القضية.

و أضاف: عندما اخترنا طريق المقاومة، لم يكن من المفترض أن ننتصر ظاهريًا في كل معركة.

كما حذّر من تحوّل نوايا المؤمنين من المقاومة إلى الحرب، معتبرًا ذلك من أخطر الآفات التي يجب التصدي لها.

المقاومة ليست كالحرب: لا ترتكز على النصر المادي و أوضح أن الحرب مبنية على التوقعات بتحقيق النصر، بينما المقاومة ليست كذلك، محذرًا من آفة الغرور عند تحقيق الانتصارات، مشددًا على أن المقاومة ليست مجرد سلسلة من الانتصارات الظاهرية بل هي مشروع طويل الأمد.

العدو يخلق ثنائيات زائفة لخلخلة المقاومة

و أكد أحمديان أن العدو يحاول دائمًا خلق انقسامات داخلية لزعزعة صفوف المقاومة، مشيرًا إلى أنه خلال الخمسة عشر شهرًا الماضية، سعى العدو إلى إثارة انقسامات وهمية مثل:

ثنائية الحرب البرية مع إسرائيل أو عدمها

ثنائية إطلاق الصواريخ أو الامتناع عنها

ثنائية "وعد صادق 3"

ثنائية المفاوضات و الانضمام إلى "FATF"

و ختم حديثه بالتأكيد على أن الوعي و اليقظة هما سلاح أساسي في مواجهة هذه المخططات، مشددًا على ضرورة إبقاء البوصلة موجهة نحو الصمود و المقاومة، لا الانشغال بتكتيكات العدو التي تهدف إلى تشتيت الأنظار عن القضية الأساسية.

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha